فجر جديد للصحراء المغربية

فجر جديد للصحراء المغربية

في 26 يونيو 1981، وخلال مقابلة مع صحيفة “لوموند”، أعلن الملك الحسن الثاني، رحمه الله: “لن نتنازل عن حبة رمل واحدة من هذه الصحراء المغربية التي أراق من أجلها الكثيرون دماءهم وكلفتنا الكثير من المال”. قبل ذلك بست سنوات، وفي عمل سياسي بارع، كان الحسن الثاني قد حشد 350 ألف مغربي لاسترجاع الصحراء الغربية من الحكم الاستعماري الإسباني – وهو مسيرة سلمية ضخمة عُرفت باسم المسيرة الخضراء.

ومع ذلك، سرعان ما برزت الصحراء الغربية كقضية خلافية أدت إلى أزمة إقليمية طويلة الأمد، استغلتها مراراً أنظمة مختلفة في الجزائر وليبيا وروسيا وإيران. في قلب هذه الأزمة يكمن جبهة البوليساريو، وهي مجموعة شبه عسكرية عنيفة تأسست في مايو 1973، وتدّعي الدفاع عن “تقرير المصير” للشعب الصحراوي. وفي الحقيقة، لم تعمل هذه الجبهة إلا كشبكة وكيلة مسلحة، متورطة في الاتجار بالأسلحة، والتلقين الأيديولوجي، وعقود من الزعزعة الممنهجة للاستقرار في جميع أنحاء شمال أفريقيا. إن ما يُسمى بـ “مخيمات اللاجئين” في مدينة تندوف الجزائرية، عند الفحص الدقيق، ليست سوى جيوب من الولاء القسري والمعاناة الصامتة. يُجند الأطفال في الميليشيات، ويتعرض السكان، حسب التقارير، للسخرة والعبودية، وتواجه النساء عنفاً جنسياً كجزء من نظام للإكراه التناسلي يهدف إلى تضخيم الأعداد السكانية وتحويل المساعدات الإنسانية لمقاتلي البوليساريو.

منذ البداية، كان الهدف هو تبديد الوهم بأن قطعة من الصحراء الغنية باحتياطات الفوسفات يمكن أن تخدم أي غرض بنّاء تحت سيطرة مرتزقة اشتراكيين قمعيين – وهي جماعة أقامت علاقات موثقة مع طرفي التطرف في الطيف الإسلامي، من تنظيم داعش إلى الحرس الثوري الإيراني (IRGC). لهذا السبب، وفي مقابلة مع وكالة الأنباء الفرنسية في نوفمبر 1982، أوضح الحسن الثاني قواعد الاشتباك بجلاء: “نحن مستعدون لمواصلة الحرب لقرون إذا لزم الأمر، لأن الصحراء مغربية ولا يمكن أن تكون إلا مغربية”.

 انتصار الدبلوماسية المغربية

على الرغم من أن المواجهة العسكرية بين المغرب والبوليساريو انتهت بجمود مطول، تسامحت معه القوى الغربية إلى حد كبير، فمن الواضح بشكل متزايد أن الرباط قد انتصرت على الصعيد الدبلوماسي. يمثل اعتماد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2797 يوم الجمعة إنجازاً دبلوماسياً تاريخياً – وهو تتويج لحملة المغرب الثابتة والممتدة على مدى عقود لتأمين اعتراف دولي بـ مقترح الحكم الذاتي باعتباره المسار الوحيد الموثوق لتحقيق السلام في الصحراء الغربية. ولأول مرة، اعترف مجلس الأمن صراحة بخطة الرباط كأساس للمفاوضات، بأغلبية 11 صوتاً مؤيداً، والقليل من الامتناع عن التصويت، وعدم وجود أي اعتراض. هذه إشارة واضحة إلى أن الإجماع العالمي يتحول بشكل حاسم نحو رؤية المغرب للاستقرار والحكم الذاتي تحت سيادته.

 غياب الجزائر وتطلعات المغرب للمستقبل

الجزائر، وكعادتها، اختارت أن تقدم فصلاً جديداً من الغياب الدبلوماسي – برفضها المشاركة في التصويت بالكامل. وصف المندوب الجزائري، عمار بن جمعة، المقترح بأنه “أقل بكثير من تطلعات وتطلعات شعب الصحراء الغربية المشروعة، كما تمثله جبهة البوليساريو”. يبدو أن شهية الجزائر للعرقلة تظل تتناسب عكسياً مع شهيتها للمسؤولية. ومن ناحية أخرى، لا يمكن للمرء أن يتوقع التميز من دولة أصبح فيها القومية اليمينية المتطرفة وكراهية الأجانب الشديدة هي جوهر الدولة – دولة مستهلكة بهواجسها لدرجة أنها تخلط بين التخريب والاستراتيجية. بعد أن أمضت نصف قرن في تأجيج حرب بالوكالة وتصر على أنها ليست جزءاً منها، اختار الوفد الجزائري ما يمكن أن يُسمى بـ أصدق بادرة له حتى الآن: الغياب.

على النقيض من ذلك، ليس لدى المغرب وقت للالتفات إلى هؤلاء الخاسرين الحاقدين. فكما صرح الملك محمد السادس في خطابه للأمة يوم 31 أكتوبر، يفتتح المغرب “فصلاً جديداً ومنتصراً في تكريس الصحراء المغربية” – وهي نقطة تحول حاسمة في تاريخ البلاد الحديث. وأعلن: “من الآن فصاعدا، سيكون هناك ما قبل وما بعد 31 أكتوبر 2025“، إيذاناً بالانتقال من عقود من المفاوضات الشرسة إلى توطيد السيادة. وقد مد الملك أيضاً غصن الزيتون، داعياً “الإخوة في مخيمات تندوف” لاغتنام هذه الفرصة للعودة إلى ديارهم تحت خطة الحكم الذاتي المغربية، وداعياً الرئيس تبون نفسه للانخراط في “حوار أخوي وصادق” لإعادة بناء الثقة والتعاون.

 تداعيات إقليمية ودولية

في الوقت الذي تتدفق فيه الآلاف إلى شوارع المدن المغربية وهم يلوحون بالأعلام ويهتفون بالشعارات الوطنية، من الواضح أن قرار مجلس الأمن يمثل لحظة حضارية للشعب المغربي. لكن التداعيات تمتد إلى ما هو أبعد من حدود المغرب. إن الاعتراف الدولي بمقترح الحكم الذاتي المغربي يشير إلى التراجع المضطرد – والزوال المحتمل – لجبهة البوليساريو. تمثل هذه النتيجة نكسة استراتيجية كبيرة لـ الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي لطالما كان تمويلها السري وتدريبها وتسليحها للجماعة أداة لزعزعة استقرار شمال أفريقيا. وفي كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة، دعا المحللون والمشرعون بشكل متزايد إلى تصنيف جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية، مما يعكس القلق المتزايد بشأن شبكة الوكلاء الإيرانية المتوسعة.

الآن، ومع التضاؤل الحاد لفائدة البوليساريو وانهيار شرعيتها، تلقت طموحات إيران في شمال أفريقيا انتكاسة قاسية. لقد فشل مشروعها لتحويل الصحراء الغربية إلى منصة لإطلاق الفوضى، وتوظيف طرق الهجرة كورقة ضغط ضد أوروبا. وبدلاً من ذلك، يقف المغرب متمكناً من جديد: موحداً ومعترفاً به، ومستعداً ليكون مرساة لعصر جديد من الاستقرار الإقليمي يمتد من طنجة إلى الكويرة.

بقلم: أوريل توبليم، كاتب وباحث.